تسريب الأسئلة الخاصة بالإمتحانات العامة، “خلل في عمل الوزارة”

بدأت قصة “تسريب أسئلة الامتحانات العامة للمرحلة المتوسطة” في امتحان اللغة الإنجليزية  الذي جرى في 31 أيار الماضي، ورغم الأدلة الواضحة على تسريب الأسئلة، والتي تداولتها وسائل الاعلام، كان تصريح خلية الإعلام الحكومي نافياً بشكل قاطع، حيث ذكر البيان: “عدم صحة الأنباء التي تحدثت عن تسريب الأسئلة، وأن الوزارة تمتلك من الشجاعة ما يمكنها من مصارحة طلبتها إذا حدث خطأ أو خلل في أي جانب من الجوانب المتعلقة بالامتحانات النهائية”، حيث أنكرت الحكومة العراقية ووزارة التربية حصول التسريب، وأضاف البيان:” هناك غرفة عمليات خاصة مسؤولة عن متابعة موضوع التسريب في مواقع التواصل، والمراقبة عن كثب منذ ساعات الفجر الأولى لجميع المنشورات وتدقيقها مع طبيعة الأسئلة المعتمدة ليتم اتخاذ القرار المناسب لها”. والمؤسف أن لجنة التربية النيابية كانت جزءً من حالة الإنكار ذاتها، حيث صرّح أحد أعضائها لوكالة الأنباء العراقية: “لا يوجد اي تسرب لأسئلة امتحانات الثالث متوسط، والحديث عن ذلك يهدف الى تشويش الطلبة”.

حالة الإنكار التي لازمت وزارة التربية العراقية ولجنة التربية النيابية، أدت بشكلٍ مؤسف، إلى تسريبٍ آخر أكثر شدة، في امتحان الرياضيات، والذي قامت وزارة التربية بتأجيل الامتحانات على إثره، فجر الخميس الموافق الثاني من حزيران، وعللت الوزارة التأجيل بأنه جاء “لأسباب فنية طارئة تخص أعمال التقويم والامتحانات”، في تعتيم واضح في البدء أن السبب كان نتيجة لتسريب الأسئلة ونسخها والنماذج البديلة، وهذا ما تم الاعتراف بهِ في وقت لاحق.

بعد ذلك دعت جميع الجهات الى اجراء تحقيق عاجل، والكشف عن المتسببين في تسريب الأسئلة. ومنهم السيد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي. على إثر هذا تم إجراء تحقيقات -لازالت مستمرة حتى الآن- بشأن عملية تسريب الأسئلة، ورغم أن جهاز الأمن الوطني، هو من يتولى التحقيق في هذا الخصوص كما قالت وزارة التربية مسبقاً وبأنها تنتظر نتائج التحقيق تلك من الجهاز; رغم هذا أدلى وزير التربية بتصريح علني يوم الجمعة السادس من حزيران وبشكل مفاجئ بأن التحقيقات أسفرت عن أن المتهمين هم : “خمسة أشخاص اعتقلهم جهاز الأمن الوطني، حتى الآن، وهم ثلاثة موظفين في الوزارة، وحارس مبنى تربية الرصافة الثانية، وآخر تعاون في ترويج الأسئلة على مواقع التواصل”. ردّ جهاز الأمن الوطني بدورهِ في بيان لوسائل الإعلام بأن جهاز الأمن الوطني هو المكلف ” بالتحقيق من أجل الوصول إلى نتائج حاسمة وقانونية بشأن جريمة تسريب الأسئلة الامتحانية، لذا فإن إعلان نتائج التحقيق من اختصاص القضاء والجهة التحقيقية حصراً”،  وتابع البيان بأن ” التحقيقات توصلت إلى وجود خلل جسيم في عمل وزارة التربية سمح بهذا التسريب من خلال حصول أحد المتهمين على 3 مفاتيح مختلفة للخزانة المحكمة أمنياً التي تحفظ فيها الاسئلة الامتحانية والتي من المفترض أن تكون بحوزة الموظفين المسؤولين والمخولين حصراً، بالإضافة الى دلائل أخرى مازالت طور التحقيق من بينها عطل كاميرات المراقبة في البناية”.

لم ينتهي التحقيق حتى الآن، ومؤشراتنا حول الموضوع تتوافق مع ما جاء بهِ بيان جهاز الامن الوطني، بأن هناك خللاً واضحاً في عمل وزارة التربية، وأكثر من هذا أن الخلل في نظام إدارة المؤسسات العراقية بشكل عام.

 

أهم الملاحظات:

  • وزارة التربية غير مستعدة لتأمين الأسئلة الخاصة بالامتحانات العامة، وهذا واضح من حالات تسريب الأسئلة في السنوات الماضية، والتي لم تظهر للعلن بشكل كبير نتيجة قطع خدمة الإنترنيت في عموم العراق من الفجر حتى موعد الامتحان صباحاً.
  • الإنكار والتعتيم سياسة خاطئة، لا تؤدي إلى اصلاح الخلل الكبير في عملية تأمين الأسئلة، وتؤدي إلى فقدان الثقة في مؤسسات الوزارة، وفي عدالة ونزاهة نظام الامتحانات العامة.
  • هناك عدم تنسيق واضح بين الوزارة وجهاز الأمن الوطني فيما يخص التحقيقات، هذا أدى للتصريحات المستعجلة من قبل وزارة التربية، مما اضطر جهاز الأمن الوطني للرد عليها.
  • لم يكن هناك موقفٌ متماسكٌ للجنة التربية النيابية يأخذ بعين الاعتبار مصلحة الطالب أولاً، وهذا ظهر في النفي المستمر لتسريب أسئلة اللغة الإنجليزية، وعدم تقصي الأمر أولاً، الأمر الذي كان سيحول دون أن يتفاقم الأمر بشكلٍ أكثر.

 

توصياتنا:

  • مبدأ الشفافية والمكاشفة هو الأساس لتعزيز الثقة بالمؤسسات.
  • اعتماد نظام تأمين أفضل لتوزيع الأسئلة الخاصة بالامتحانات العامة، مستفيدين من خبرة الأجهزة الأمنية في تأمين العملية، وكذلك مستعينين بتجارب مؤسسات أخرى، كالمفوضية العليا للانتخابات.
  • إكمال التحقيقات والتركيز بشكل كبير على مواطن الخلل قبل البحث عن المتهمين، فعملية الإصلاح تحتاج لتشخيص دقيق.
  • على لجنة التربية النيابية البدء بمراجعة شاملة لقوانين وأنظمة وزارة التربية، وهذه كانت إحدى مقاصد الاستراتيجية الوطنية للتعليم في العراق، وكذلك ضمن توصياتنا في دراستنا “ضمانات حق التعليم في العراق” تجدها في صفحة 44.
  • التوعية العامة بأن عملية نشر الأسئلة الخاصة بالامتحانات العامة قبل اجراءها، تعد مخالفةً قانونية.