التمييز الإيجابي، إجراء واقعي ضروري، ومؤقت

أعلن الأمين العام للإتحاد البرلماني الدولي مارتن تشانغونغ، في مؤتمر صحفي قبيل اليوم الدولي للمرأة في آذار 2020:

 

يسعدني أن أعلن أن النساء، وللمرة الأولى، يمثلن أكثر من ربع البرلمانيين بأنحاء العالم

 

بعد الانتخابات التي جرت في عدة بلدان عام 2020، زادت نسبة البرلمانيات بمقدار 0.6% مقارنة بعام 2019. وخص الأمين العام للاتحاد بالذكر 3 دول حققت التكافؤ بين الجنسين في التمثيل البرلماني وهي رواندا وكوبا ودولة الإمارات العربية المتحدة. ووصف رواندا بأنها مثال يُحتذى به في تمثيل النساء في الحكومة. ولدى استعراضه تقرير “النساء في البرلمان” قال الأمين العام للاتحاد

شهدنا أدلة على وجود فرص أكبر لتعزيز المساواة بين الجنسين في الدول الخارجة من الصراعات التي أُتيح لها إعادة تشييد أسس المجتمع والأطر القانونية

نسبة النساء في البرلمانات في العالم هذهِ يجب أخذها باعتبار أن نسبة النساء في العالم تبلغ 49.6%.

هذه الأرقام ستكون المرشد لنا للخوض في مسألة التمييز الإيجابي، والتمييز الايجابي كما يعرّفه المشرّع الأمريكي في الأمر التنفيذي الخاص بتساوي الفرص، هو:اعتماد مبدأ الأفضلية بآليات إنعاش ملائمة في التعامل مع الأقليات أو المجموعات التي لا تحصل على تمثيل عادل، وهي السياسات التي تأخذ بعوامل (كالعرق واللون والدين والجنس والتوجه الجنسي أو الأصل) في الاعتبار لكي تميز مجموعات مهمشة في التوظيف أو التعليم أو الأعمال، بعلة السعي لإصلاح التمييز الذي مورس ضدهم في السابق.

وتختلف طبيعة سياسيات التمييز الإيجابي من دولة إلى أخرى، في بعض الدول مثل الهند يُستخدم نظام الحصص الذي تكون فيه نسبة معينة من الوظائف الحكومية والمناصب السياسية والمقاعد الدراسية محجوزة لأعضاء من مجموعة معينة، وفي بعض الدول الأخرى التي لا يتم استخدام نظام الحصص فيها، تكون الأفضلية للمنتمين إلى الأقليات أو تكون لهم اعتبارات خاصة عند عملية الاختيار.

في تجربة الأردن مثلاً مع تمثيل النساء، ورغم اعتراف المشرع للمرأة الأردنية بالحق في الترشح والانتخاب لمجلس النواب في عام 1974، إلا أن المرأة لم تصل لقبة البرلمان، تم بترشيح 12 امرأة في انتخابات 1989 حيث لم تفز أي منهن ، وترشحت 3 نساء في انتخابات 1993 لكن واحدة تمكنت من الفوز عن طريق مقعد الشركس والشيشان. ولم تفز أي امرأة في انتخابات 1997 . وعليه، ومن أجل إعطاء دفعة قوية لدور المرأة على المستوى السياسي، جاء المشرع الأردني فأخذ بنظام تخصيص “كوتا” لتمثيل المرأة بالانتخاب على نحو فعال في السلطة التشريعية في الدولة، وذلك بتعديل قانون الانتخاب المؤقت لعام 2001، من خلال تخصيص (6) مقاعد كحد أدنى تتنافس عليها النساء إلى جانب الحق في المنافسة على المقاعد الأخرى كافة، وتم رفع العدد في الانتخابات الأخيرة(لسنة2010) ليصبح عدد المقاعد المخصصة للنساء (12) مقعداً من أصل (120) مقعداً أي ما نسبته 10% من مجموع مقاعد مجلس النواب، وقد تقدمت الحكومة مؤخرا بمشروع قانون يرفع عدد المقاعد المخصصة للنساء (12) مقعداً.

في حالة العراق خصصت قوانين الانتخابات 25% من مقاعد مجلس النواب العراقي للنساء، وخصص مقاعد أخرى للأقليات، هذا الاجراء يعتبر “تمييزاً ايجابيا” لضمان تمثيل أفضل للمجتمع في مجلس النواب، عبر اعتماد نظام الكوتا.

هناك ثلاثة أشكال للكوتا وهي الكوتا القانونية أو الدستورية التمثيلية التي يتم من خلالها تخصيص نسبة محددة من المقاعد في المجالس التشريعية للنساء، مثل الكوتا المطبقة في العراق حيث ينص الدستور العراقي على نسبة 25% من المقاعد أن تكون مخصصة للنساء في مجلس النواب وأيضاً في الأردن حيث خصص القانون 10% من المقاعد للنساء. والشكل الآخر للكوتا هي الكوتا الترشيحية التي قد تكون مقننة فتجبر الأحزاب على ترشيح نسبة محددة من النساء على قوائمها مثلما هو الحال في فلسطين حيث نص قانون الانتخاب في عام 2005 على أنه “يجب أن تتضمن كل قائمة من القوائم الانتخابية المرشحة للانتخابات النسبية (القوائم) حداً أدنى لتمثيل المرأة لا يقل عن امرأة واحدة من بين كل من: 1.الأسماء الثلاثة الأولى في القائمة، 2.الأربعة أسماء التي تلي ذلك، 3. كل خمسة أسماء تلي ذلك”. والشكل الثالث للكوتا هي الكوتا الطوعية التي تتبناها الأحزاب في لوائحها دون وجود نص قانوني ملزم مثلما هو الحال في العديد من الدول الاسكندنافية مثل السويد والنرويج.

وتطرح الكوتا حلا مرحليا للمشاركة الضئيلة للنساء في الحياة السياسية ولكن يتعرض هذا النظام لبعض الانتقادات، حيث يعتبر بعض المعارضين لنظام الكوتا أنه أحد أشكال التمييز في تمثيل النساء، وقد لا يعبر عن إرادة الناخبين بشكل حقيقي أو أنها تحدّ من خيارات الناخبين خاصة عندما تخصص مقاعد للنساء في المجالس التشريعية. وتبقى الكوتا إجراءا مؤقتا لحين القضاء على المعوقات التي تواجه النساء في الحياة السياسية ولحين تمكينهن بشكل فعلي فلا تعد إجراءا تمييزيا، كما أن الواقع الفعلي يقول أن النساء فرصهن أقل في الترشح والانتخاب نتيجة لعدة عوامل من بينها العوامل الاجتماعية والثقافية للعديد من المجتمعات التي يحكمها الطابع الذكوري السلطوي، ويظهر هذا جليا في نسب تمثيل النساء في العالم العربي.

التمييز الايجابي، هو اجراء لعكس تأثير التمييز السلبي الذي يمارس في حق النساء والأقليات ومجاميع أخرى في المجتمع، ويفترض أن يصاحب هذا الإجراء، اجراءات أكثر تأثيراً، حتى يكون نظام “الكوتا” مؤقتاً كما يجب أن يكون.

 

 

وسام ابراهيم عنبر

المدير التنفيذي لمنظمة أفق